"واشنطن بوست": قضاة فيدراليون يصفون عقوبات ترامب على شركات المحاماة بـ"الانتقامية"
"واشنطن بوست": قضاة فيدراليون يصفون عقوبات ترامب على شركات المحاماة بـ"الانتقامية"
رفض عدد من القضاة الفيدراليين محاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معاقبة شركات محاماة تولّت قضايا لم تكن تروق له، أو وظّفت شخصيات عدّتها خصومًا سياسيين، وعدّوا العقوبات التي فرضها "غير دستورية".
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، اليوم الاثنين، وصف قاضي المحكمة الجزئية ريتشارد جيه. ليون أحد أوامر ترامب ضد شركة "ويلمر هيل" بأنه "انتقامي بامتياز"، مؤكدًا أن العقوبة تمثّل تهديدًا مباشرًا لحرية التعبير المكفولة بموجب التعديل الأول للدستور الأمريكي.
وأضاف ليون في قراره أن الأمر يُعبّر عن "رسالة واضحة: إذا تجرأت على تبنّي قضايا لا يدعمها الرئيس، فستُعاقب!".
رفض قضاة فيدراليون آخرون أوامر مماثلة صدرت ضد شركتي "جينر آند بلوك" و"بيركنز كوي"، وعدّوها خرقًا خطِرًا لفصل السلطات وتجاوزًا للسلطة التنفيذية.
أبرمت عدة شركات محاماة كبرى اتفاقيات مع إدارة ترامب لتفادي العقوبات، وفقًا لما أفاد به محامون مطلعون على تفاصيل تلك التفاهمات، وذكروا أن هذه الصفقات، رغم مخالفة الأوامر للقانون، فرضت مناخًا من الخوف والامتناع الطوعي عن تولي قضايا تُعارض أجندة الرئيس، خاصة في ملفات الهجرة.
وأكدت أستاذة القانون بجامعة جورج تاون، إميلي ر. شيرتوف، أن مجرد الإعلان عن السياسة الحكومية أحيانًا يكفي لردع بعض الشركات عن الانخراط في قضايا حساسة، حتى إذا قضت المحاكم لاحقًا بعدم شرعية تلك السياسات.
وأوضحت أن الشركات الصغيرة أو ذات الموارد المحدودة قد تكون الأكثر ترددًا، بسبب صعوبة مقاومة الضغوط السياسية والتنفيذية.
معارك قانونية مستمرة
سجّل ترامب وإدارته نتائج متباينة في مئات الطعون القضائية التي واجهتها قراراته، وقام عدد من القضاة الفيدراليين بوقف تنفيذ سياسات رئاسية أثارت جدلاً واسعًا، من بينها خطط تسريح موظفين حكوميين، ومحاولات إلغاء الحق في الجنسية بالولادة، وتقييد دخول المهاجرين.
وأوضحت أستاذة القانون بجامعة تكساس، تارا غروف، أن القضاء الفيدرالي يواجه "فيضانًا من القضايا المعقدة التي تتطلب قرارات عاجلة"، مشيرة إلى أن بعض القضايا تستند إلى قوانين واضحة، في حين تحتاج أخرى إلى اجتهاد قضائي لفهم المسارات الدستورية الملائمة.
لم يعلّق البيت الأبيض على مضمون التقارير أو الأحكام القضائية.
هاجم الرئيس ترامب شركات محاماة وظّفت شخصيات مثل روبرت س. مولر الثالث، المحقق الخاص الذي أشرف على التحقيقات في تدخل روسيا بالانتخابات، إضافة إلى مسؤولين سابقين في إدارته، واتهمها بالتخلي عن "قيم المهنة"، منتقدًا تركيزها على قضايا الهجرة والعمل الخيري.
وذكرت شركات رفعت دعاوى قضائية أن قرارات ترامب كلفتها عملاء، وهددت بقاءها المالي، بسبب اعتمادها على عقود حكومية وتصاريح أمنية ضرورية للعمل في قضايا الأمن القومي، وقالت إن الأوامر عطّلت وصول محاميها إلى المباني الحكومية، وأضرت بمصالحها التجارية المباشرة.
دافع محامي وزارة العدل ريتشارد لوسون عن أوامر ترامب، معتبرًا أنها تندرج ضمن صلاحيات الرئيس، وحذر من أن القضايا قد تُعد انتهاكًا لحرية خطاب ترامب نفسه، وليس العكس.
أبرمت شركة "بول وايس" أول اتفاق مع الإدارة، وتعهدت بتقديم 40 مليون دولار من الخدمات القانونية المجانية في مجالات محددة، منها دعم المحاربين القدامى، فُرضت عليها العقوبات بموجب أمر تنفيذي رُفع لاحقًا بعد هذا الالتزام.
تبعت ذلك ثماني شركات كبرى أخرى، وبلغت قيمة العمل القانوني المجاني المُتعهد به نحو مليار دولار، بحسب إفادات رسمية.
قال رئيس مجلس إدارة بول وايس، براد كارب، في رسالة إلى الكونغرس في مايو، إن الأمر التنفيذي كان سيُدمّر الشركة حتى لو ربحوا القضية في النهاية، مضيفًا أن القلق من الأثر الفوري هو ما دفعهم إلى التسوية.
مناخ "الترهيب القانوني"
عدّ رئيس قسم العمل التطوعي السابق في بول وايس، ستيفن بانكس، الأوامر التنفيذية كانت "غير قانونية بشكل واضح"، وأن القضاة أكدوا في قراراتهم أن الرئيس لا يملك صلاحية فرض هذه العقوبات. وأشار إلى أن الغرض منها هو "تخويف المجتمع المدني وإضعاف مقاومته".
ورأى بانكس أن أي مقاومة مؤسسية واسعة لهذه السياسات ستُعزز قدرة المجتمع المدني على الصمود والانتصار.
رغم صدور الأحكام، أظهرت ردود الفعل علامات على استمرار القلق، فانضمت مئات الشركات القانونية إلى مذكرات قانونية لدعم القضايا، فإن أكبر الشركات وأكثرها نفوذًا لم تُشارك، ما يُشير إلى وجود اعتبارات خفية أو مخاوف من الانتقام السياسي.
أكدت أستاذة القانون إميلي شيرتوف أن إشارات البيت الأبيض كانت كافية لإثارة القلق في أوساط القطاع، حتى من دون أوامر تنفيذية مباشرة، وقالت إن هذا النهج يُرسّخ نية واضحة للضغط، تؤثر في قرارات الشركات.
ورّحت المديرة الوطنية للخدمات القانونية في المركز الوطني للعدالة للمهاجرين، ليزا كوب، بأن العديد من الشركات أوقفت قبول قضايا الهجرة نتيجة للخطاب القادم من البيت الأبيض، ورفضت التعليق على القضية بشكل مباشر بعد نشر إفادتها الخطية.
شاركت شركة سكادن، التي أبرمت صفقة سابقة مع إدارة ترامب، في دعوى رفعتها امرأة مكسيكية ضد وكالات فدرالية في قضية تتعلق بتأشيرات لضحايا العنف، خلال إدارة بايدن.
رفضت سكادن ومحاموها التعليق على مشاركتهم في القضية، وأكدت بلومبرغ للمحاماة لأول مرة تفاصيل انخراط الشركة وإفادات ليزا كوب القانونية.
مثلّت شركة ويليامز وكونولي شركة "بيركنز كوي" في طعنها ضد العقوبات، وتولت شركة كولي الدفاع عن "جينر آند بلوك"، والتي كانت بدورها ضمن الفريق القانوني لدعوى رفعتها جامعة هارفارد ضد إدارة ترامب.
وفي يوم تقديم الدعوى، ألغى قاضي المحكمة الجزئية جون د. بيتس قرار ترامب بمعاقبة "جينر آند بلوك"، ليُسجل بذلك انتصارًا قانونيًا جديدًا ضد السياسات التنفيذية المثيرة للجدل.